تقييم لما تم تنفيذه من توصيات (بسيوني)
تدور حول تقرير بسيوني الصادر في نوفمبر 2011 معظم محاور التطور
الحقوقي في البحرين. بالنسبة للعالم الخارجي، دولاً أو منظمات حقوق
انسان، تمثل تطبيقات توصياته، البوصلة التي تقرأ بها الأحداث، والمؤشر
الذي تقاس به الأمور.
التوصيات كثيرة، وهي حين وضعت، وحين قبلت بها البحرين لتقوم بتنفيذها،
كان من المعلوم أنها لن تنفذ بين عشية وضحاها، فبعضها يمكن تطبيقة
بسهولة وبسرعة، وبعضها يحتاج الى فترة زمنية متوسطة، وبعضها الآخر
يحتاج الى سنوات. وقد كرّست البحرين ـ باعتبار التقرير مرجعية محلية
ودولية ـ جهوداً كبيرة لتبرز حقيقة جديتها في تنفيذ تلك التوصيات،
وطلبت المساعدات من دول ومؤسسات دولية لتحقيق تلك الغاية، وشكلت لجنة
خاصة لمتابعة تنفيذ التوصيات، وأصدرت تقارير دورية، وبيانات في فترات
متعاقبة تبيّن ما تمّ تنفيذه وما لم يتم تنفيذه.
هذا والعين لازالت مسلّطة على البحرين بشأن هذا التقرير الفريد
من نوعه، كما يتحدث بسيوني نفسه. بعض المعارضين يصرّ على أن شيئاً
لم يتغيّر على أرض الواقع، والغربيون والمنظمات الحقوقية الدولية وبسيوني
نفسه وأجهزة الأمم المتحدة تعترف بأن هناك جديّة في تطبيق التوصيات،
وأنها تراقب وتتابع الأمر عن قرب.
في هذه المقالة نستعرض مؤشرات تطبيق توصيات بسيوني في محورين: اعادة
بناء أماكن العبادة التي تم هدمها؛ ومحور المتطلبات والتوصيات المتعلّقة
بوزارة الداخلية. لكن قبل أن نبدأ في عرض الأمر، لنقرأ تقييما للسيد
بسيوني نفسه عن لجنة تقصي الحقائق وتقريرها العتيد وما تحقق من تنفيذ
توصياته، وذلك من خلال مقابلة اجراها مع جريدة الشرق الأوسط في 24
مارس الماضي.
تقييم د. شريف بسيوني
|
البروفيسور شريف بسيوني |
يرى بسيوني أن تجربة عمل اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق
فريدة من نوعها بالقياس الى لجان تقصي الحقائق الأخرى التي قامت بها
الأمم المتحدة، ويعود السبب من وجهة نظره الى العون الذي قدمته الحكومة،
وفسحة الحرية في الحركة والتحقيق وزيارة السجون دون اخطار مسبق، وهذا
ما جعل المُنتج (تقرير اللجنة) مثيراً للإهتمام والإنتباه للباحثين
القانونيين ـ حسب بسيوني نفسه، الذي يعتقد ان (النجاح الذي حققته اللجنة
كان مبهراً، والتقرير الصادر عنها هو نموذج مُعبر بحق عن نوعية التحقيق
الذي أجري والإجراءات التي اتبعناها في جمع الأدلة وسماع الشهود والمعاينات
الميدانية على أرض الواقع، وكيفية كتابة التقارير الدولية. كل هذا
تم في حُرية تامة ومن دون أية رقابة أو تضييق من الحكومة، بل على العكس
سمحت لنا بأداء المهمة على أكمل وجه من دون أية رقابة علينا نهائياً).
لكن نجاح لجنة تقصي الحقائق يقاس بإسهامه في حلّ الأزمة السياسية
والحقوقية، ولذا يعتقد بسيوني أن هدف اللجنة هو (معرفة حقيقة ما حدث
في الأحداث التي وقعت في مطلع 2011) وهذا يمثل خطوة في الحل، ولا يجب
الخلط بين ما انتهى اليه التقرير وبين الإجراءات الأخرى المطلوبة التي
تقوم بها الحكومة. ويعتقد بسيوني أن (الحوار الوطني مُهم جداً لإيجاد
حلول للمشاكل السياسية في البحرين، وهو الحل الأمثل والمخرج الوحيد
من الحالة الراهنة. ولا بد أن يُبدي كل طرف حُسن النية، ويقدم المقترحات
والحلول التي قد يراها مناسبة لحل الأزمة بدون شروط أو قيود سابقة
تعوق الحوار).
اذن كيف يقيّم بسيوني الخطوات التي قامت بها الحكومة لتطبيق توصيات
تقريره؟ يعتقد بسيوني ـ حسب تقييمه الأولي في يناير 2012 (أن الحكومة
بدأت بالفعل في اتخاذ خطوات واجراءات مهمة من شانها ان تساعد على تحقيق
التوصيات بكل جدية). وعدد بسيوني التوصيات التي وردت في تقريره وطبقتها
الحكومة وبينها (اعادة كافة الطلبة الى المدارس والجامعات) واعادة
ما يزيد على 98% من الموظفين المفصولين الى أعمالهم، وأثنى على الأحكام
التي صدرت بحق ضباط وأفراد من الشرطة الذين قاموا بتجاوزات وانتهاكات،
كما أشار الى موضوع المساءلة مع كبار المسؤولين عن الأخطاء، وايضاً
قامت الداخلية بانشاء مكتب تظلمات حسب توصيات التقرير، وتم تغيير العديد
من القيادات الأمنية، كما حدثت تغييرات جذرية في قيادات جهاز الأمن
الوطني، وتم انشاء مكتب المفتش العام، اضافة الى التعديلات التشريعة
والدستورية، وتدريب الضباط والقضاة واعضاء النيابة.
لكن بسيوني أشار ايضاً الى توصيات لم تطبقها الحكومة البحرينية
حتى الآن، وعلل ذلك (لأنها تأخذ وقتا طويلا في التنفيذ، مثل استكمال
التحقيقات التي تجريها الوحدة الخاصة، وإعادة بناء المساجد ودور العبادة،
وتطوير منظومة الإعلام، وتعويض جميع الضحايا، وتطوير المناهج التعليمية
في المدارس والجامعات. كل هذه التوصيات ستأخذ وقتا لكي نستطيع القول
بأنه تم انفاذها بالفعل).
وأوصى بسيوني بأن تجري الحكومة عملية تقييم شامل جديد، لمعرفة مدى
إنفاذ كافة التوصيات على أرض الواقع، ويجب أن يشترك المجتمع المدني
في هذه العملية. واضاف أنه عندما تصل الحكومة للحقيقة بشأن ما تم التوصل
إليه في تنفيذ كل توصية، يجب عليها أن تحدد الخطوات المستقبلية اللازمة
لإتمام التنفيذ، أو أن يتم تحديد السقف الزمني للانتهاء من تنفيذ كل
توصية. واوصى بسيوني ايضاً بأن تستمر الحكومة في عملية تطوير العدالة
والنظام القضائي ككل، رغم أن ما تقوم به حالياً من رفع كفاءة القضاة
وأعضاء النيابة العامة أمر مهم جداً وضروري.
تنفيذ توصية بناء دور العبادة
موضوع بناء دور العبادة كان ولازال أمراً حساساً مرتبطاً بالهوية
الدينية، وقد أوصى تقرير بسيوني بضرورة اعادة بناء دور العبادة المهدّمة
والتي تبلغ نحو 30 منشأة دينية. وقد اهتمت الحكومة بهذا الشأن، وكان
آخر تقرير لوزارة العدل في ابريل الماضي حول الأمر هو التالي:
هناك أربعة مساجد قد تم بناؤها وفق الأنظمة وبالتنسيق مع ادارة
الأوقاف الجعفرية بعد تصحيح اوضاعها.
هناك ستة مساجد آخرى سيتم البدء في تنفيذها ضمن موازنة المشاريع
الحكومية بين عامي 2013-2014.
أما بقية المساجد فسيتم الإنتهاء منها بين عامي 2015 و 2018.
تنفيذ التوصيات المتعلقة بوزارة الداخلية
حسب توصيات تقرير بسيوني (1717/ 1722ج – التدريب/ 1722 د - القبض
والتوقيف/ 1722 هـ - التوظيف/ 1722 ز - التسجيل السمعي والمرئي)، استعرضت
وزارة الداخلية ما قامت به على النحو التالي:
تمّ تأسيس مكتب مستقل لأمين عام التظلمات بوزارة الداخلیة، كيما
يعمل بشكل مستقل عن الوزارة اجرائياً ومالياً. ويقوم المكتب بتسجيل
كافة الشكاوى، وكافة وقائع القبض والحبس الاحتياطي المؤقت (التوقیف).
ويهتم المكتب بتوفير العدد الكافي من الموظفين المؤهلين بمن فيهم رئيس
التحقيقات، وتهيئتهم عبر دورات تدريبية لكي يكونوا قادرين على اداء
مهامهم. ويسعى مكتب التظلمات الى سن وانفاذ المعايير المهنية للشرطة
والقيام بالتدريبات القانونية لضباط الشرطة، ووضع بروتوكولات مع اجهزة
اخرى كوحدة التحقيقات الخاصة للتأكد من ان جميع الشكاوى يتم التحقيق
فيها بشكل مناسب.
تمّ تبني قواعد سلوكية لرجال الشرطة ضمن (مدونة) خاصة بهذا الشأن،
وقد تم ادخال القواعد الجديدة في المنهج الدراسي والتدريبات في أكاديمية
الشرطة، وجرى نشره وتداوله في كافة اقسام وزارة الداخلية لتنفيذه.
كما تم استقدام مستشاري شرطة دوليين من ذوي الخبرة، وخاصة رؤساء الشرطة
السابقين بالولایات المتحدة الأمریكیة وبريطانيا بالعمل الآن مع الشرطة
البحرينية لضمان تحقیق الأهداف المرتبطة بالمدونة.
تم تدشين منهج تعليمي شامل في مجال حقوق الإنسان وحقوق الضحايا
استناداً على المواثيق الدولية.. وذلك لجميع المستجدين والطلاب في
الأكاديمية الملكية للشرطة. ويشمل المنهج الجديد دروس عن (حقوق الإنسان)
و(إدارة الصراعات) و(تقديم الدعم المبدئي للناجين والضحايا والشهود)
و(مقابلة الضحايا و الشهود) و(القبض أو التوقيف أو التبليغ عن أشخاص)
و(مقابلة المتهمين). كما تم تقديم دورات مهنية تطويرية لأعضاء هيئة
القيادة العليا، والموظفين الإشرافيين والمدربين في الأكاديمية الملكية
للشرطة وضباط الصف في جميع أقسام الوزارة.
تم تنظيم دورات عن حقوق الإنسان باللغة العربية بالخارج بالتعاون
مع المعهد الدولي للدراسات العليا في العلوم الجنائية (ISISC) في
سيراكوزا بإيطاليا، بمشاركة 49 ضابطاً. وقد صمم الدورة البروفيسور
بسيوني للتأكد من إن دروس اللجنة الوطنية المستقلة لتقصي الحقائق جزء
من التدريب الذي توفره البحرين.
الاعتماد بشكل أكبر على التحقيقات القائمة على العلم والأدلة حيثما
أمكن، بدلا من الأدلة المعتمدة على الاعترافات. هذا ينطوي على تدريب
المحققين على احدث التقنيات بإدارة مسرح الجريمة، وهذا يسير جنبا إلى
جنب مع إنشاء مختبر الطب الشرعي الجديد الذي يعمل فيه علماء مدربين.
ويجري تطوير المختبر والتدريب بالتعاون مع شرطة سكوتلاند يارد الجديدة
والوكالة الوطنية لتحسين الشرطة ببريطانيا.
وزارة الداخلية في بياناتها تؤكد على أنها تدرك الانتهاكات المذكورة
في تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق التي تقع تحت نطاق
اختصاصها، فقد حدثت بعض المخالفات من مرحلة القبض إلى السجن؛ من وقت
القبض على المتهم إلى الأوقات التي قضاها في السجن. وتقول الوزارة
بأنها أعادت النظر في كافة الإجراءات وأنها تبذل جهوداً لمعالجة أوجه
القصور ولمنع الإساءة من الحدوث.
تم إخضاع مراكز التوقيف لمراقبة السلطة القضائیة والمدعي العام؛
وللسلطة القضائیة الحق بزيارة السجون ومراكز التوقيف والإشراف على
تنفیذ الأحكام والقرارات الصادرة ضد الأشخاص. كما وقعت الحكومة مع
اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي مذكرة تفاهم تسمح لوفودها بزیارة
أماكن الاحتجاز.
تم تجهیز جميع غرف الاستجواب للشرطة داخل أقسام الإدارة العامة
للتحقيقات الجنائية والمباحث ومراكز الشرطة المحلیة بنظام بصري سمعي
بدوائر التلیفزیون المغلقة. ويتم استكمال تركیب الكامیرات في المناطق
العامة في كافة مخافر الشرطة للتأكد من تلبیة المعاییر والإجراءات
الخاصة بالتوقيف والحبس الاحتياطي.
|