خطاب ولي العهد وسؤال: متى سيبدأ الحوار؟
جملة من القضايا الهامة وردت في خطاب ولي عهد البحرين
الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة في افتتاحه حوار منتدى المنامة في 7/12/2012،
ونقصد بتلك القضايا المتعلقة بالشأن المحلي على وجه الخصوص، وهي تستحق
وقفتين متأنيّتين:
الأولى، الإدراك الواعي لنشوء الأزمات
وواقع التحوّلات السياسية في المجتمعات العربية المعاصرة، فولي العهد
لاحظ من خلال التجربة البحرينية وتجارب أخرى، بأن عمليات الإصلاح السياسي
تشهد دائماً منعطفات وتحديات، قد تعيد الوضع لسيرته الأولى، أو يتم
التعاطي معها وحلحلتها والتقدّم الى الأمام بالعملية السياسية. منشأ
تلك التحديات، أن المجتمعات غير جامدة في تطلعاتها وطموحاتها، ومن
الصعب وضع سقف سميك حولها، اللهم إلا في الثوابت الوطنية المعروفة.
وقد تزداد هذه التطلعات من خلال التفاعل بسبب الثورة المعلوماتية،
وهو ما لفت اليه ولي العهد، وأشار الى ضرورة التركيز على الانعكاسات
التي تمخضت عن الثورة المعلوماتية واستخدام شبكات التواصل الاجتماعية.
ليس هذا فحسب، فالتحولات في الجوار الإقليمي العربي بالذات، لا
بدّ أن تكون لها انعكاسات. فحجم الأحداث السياسية في المنطقة خلال
العامين الماضيين كبير جداً، ولا بد أن تكون له تأثيراته على المجتمع
المحلي. صحيح ما لاحظه ولي العهد من أن (المنطقة لم تشهد من قبل هذه
الكثافة من التغيير وخلال فترة قصيرة عبر تاريخها العريق)، وصحيح أيضاً
بأن هذه التحولات إيجابية كقطرات المطر، ولكنها قد تتحول الى سيول
جارفة مهددة إن لم يتم استيعابها في قنوات صحيحة. وحسب ولي العهد،
فإن التغيرات في المنطقة شهدت (انقساماً بارزاً بين الحصول على الحقوق
الديمقراطية، وتهديد الحريات في الوقت نفسه). ومن بين التحديات التي
أحدثتها التحولات والتي واجهت البحرين، انقسام المجتمع البحريني والجراح
التي فتحت والتي (مازلنا نسعى الى التعافي منها) حسب ولي العهد. هذه
التحولات والتحديات تتطلب إدراكاً واعياً في التعامل مع الوضع الجديد
عبر (إيجاد مخرج من الخلافات التي فرضتها التغيرات في المنطقة بأقل
ضرر على الجانب الإنساني).
وينضوي ضمن الإدراك الواعي للأزمات والتحولات في خطاب ولي العهد،
حقيقة أن الأزمات التي تتعرض لها الدول تفتح المجال للوسطاء والتدخلات
الخارجية وتؤثر على مواقف الدول، وهنا يفرّق ولي العهد بين دول تقدم
على خطوات متوازنة بدافع الحرص على البحرين وتساعد على تخطّي المشكلات،
وبين أخرى منحازة تستهدف زيادة التوتر وتعميق المشكلات وزيادة الشقّة
بين أطياف المجتمع كما بين المعارضة والسلطة. وكان لافتاً توضيح ولي
العهد حين شكر عدداً من الدول للمساندة التي تقدمت بها، وبين تلك الدول
المملكة المتحدة، من خلال نهجها في التواصل البناء ـ حسب قوله ـ مع
مختلف الأطراف في مملكة البحرين من خلال القنوات الدبلوماسية دون استثناء
أو تمييز، وذلك إلى جانب دعمها العديد من المبادرات المتعلقة بالاصلاح
والتطوير. كما شكر كلاً من سنغافورة وكوريا الجنوبية واليابان لإبقاء
قنوات الاتصال مفتوحة للإسهام في حل الأزمة. ودعا ولي العهد الحكومات
الغربية الصديقة لاتخاذ دورها المتوازن مع جميع الأطراف، كما فعلت
الحكومة البريطانية، مع اعتماد الانتقاد الموضوعي دون أن يميل ذلك
لكفة دون أخرى.
الثانية، وتتعلق بعناصر الحلّ للمشكل
البحريني، فقد وردت في خطاب ولي العهد إشارات عديدة اليه. هناك ثلاثة
عناصر وردت في الخطاب ذات أهمية خاصة بموضوع الحل السياسي:
1/ تسامي العائلة المالكة على الخلافات المجتمعية، فهي ليست ممثلة
لفئة من المجتمع، ولا حامية لمصالح (الخاصة) دون (العامة). وقد عبّر
ولي العهد عن ذلك بقوله أنه ليس أميراً للسنّة فقط أو للشيعة فقط في
البحرين، وإنما للبحرينيين جميعاً على تنوعهم.
2/ اعتماد تقرير بسيوني كمرجعية في توثيق ما جرى، وتطبيق توصياته
في إطار جهود التعافي من آثار الفترة الماضية. ليس هذا فحسب، بل لكي
يُبنى على توصياته خطوات إصلاحية سياسية قادمة، تعبر عن المرحلة الجديدة
التي تعيشها البحرين.
3/ اعتماد منهج الحوار السياسي بين كافة الأطراف لحل الخلافات التي
هي في جذرها سياسية، والوقوف ضد العنف ومنعه. وهنا أكد ولي العهد بأن
العنف ليس حلاً، ودعا القيادات السياسية والمرجعيات الدينية الى منعه
وبناء الجسور لتحقيق غاية الحوار.
وبعد.. فإن معطيات هذا الخطاب العقلاني، لا يمكن أن يرفضها حريص
على استقرار وتطور بحرين حرّة وديمقراطية. لكن السؤال المهم والذي
يشغل المواطنين والمراقبين هو: متى سيبدأ الحوار؟
|