المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان الى أين؟

في الخارج كما في الداخل، يتساءل المتابعون والناشطون والمهتمون: أين دور المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان مما جرى ويجري في البحرين؟ لماذا هي شبه غائبة عن الأحداث؟. فقد علّقت آمال عريضة على المؤسسة بأن تنجز شيئاً مهماً، شأنها شأن المؤسسات الوطنية المماثلة والقائمة في الدول العربية والأجنبية. لكن، ربما لم تكن المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان محظوظة أبداً، فقد صدر الأمر الملكي بتأسيسها في 10 نوفمبر عام 2009، تحت رقم 46، وذلك لكي تتولى مهمة تعزيز وتنمية وحماية حقوق الإنسان وترسيخ قيمها ونشر الوعي بها والإسهام في ضمان ممارستها.

لكن تعيين الأعضاء تأخر الى 25 ابريل 2010، حيث تشكلت المؤسسة من رئيس وعشرين عضواً، من حقوقيين وأكاديميين وإعلاميين، وقد عهدت الرئاسة الى سلمان كمال الدين، وهو قيادي في جمعية وعد، وأحد الأعضاء المؤسسين للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان.

وما كادت المؤسسة أن تبدأ بعضاً من أعمالها، وقبل حتى أن تستكمل تشكيل لجانها، أعلن الرئيس ـ وبسبب ضغوط سياسية من جمعيته التي ينتمي اليها ـ استقالته من منصبه، وذلك بعد أربعة أشهر من تعيينه، أي في بداية سبتمبر 2010، ما عدّ أول انتكاسة للمؤسسة. ومنذئذ لم يتعين رئيس للمؤسسة حتى الآن.

بعد ستة أشهر من الإستقالة، فاجأت البحرين أحداث فبراير 2011 المؤلمة، فانسحب أربعة من أعضائها وقدموا استقالتهم، وبالتالي لم تكن المؤسسة في حال يهيؤها للقيام بدورها، فهي لازالت مبتدئة في عملها، ولم تتمكن من إصدار تقريرها السنوي حول أوضاع حقوق الإنسان في البحرين، والذي كان يفترض أن يصدر في أواخر أبريل الماضي، مع أن الأمر الملكي يحتّم عليها إصدار مثل هذا التقرير، الذي يوضح نشاطها، ورؤيتها، ومدى تحقيقها للأهداف التي أسست من أجلها والتي وردت في الأمر الملكي رقم 46، والتي من بينها:

1/ وضع استراتيجية متكاملة لتعزيز وحماية حقوق الإنسان في المملكة، واقتراح الآليات والوسائل الخاصة لتحقيقها.

2/ دراسة التشريعات والنظم المعمول بها في المملكة والتي تدخل ضمن مجالات حقوق الإنسان والتوصية بالتعديلات التي تراها مناسبة في هذا الشأن، خاصة فيما يتعلق باتساق هذه التشريعات مع التزامات المملكة الدولية في مجال حقوق الإنسان، كما يكون لها التوصية بإصدار تشريعات جديدة ذات صلة بحقوق الإنسان.

3/ العمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان بالتعاون مع الأجهزة المختصة بشؤون التعليم والتنشئة والإعلام والتثقيف، وكذلك التعريف بالوسائل المتاحة لحماية حقوق الإنسان.

4/ إبداء الرأي والمقترحات والتوصيات اللازمة فيما يعرض عليها من السلطات والجهات المختصة، بشأن المسائل المتعلقة بحماية حقوق الإنسان وتعزيزها.

5/ بحث ملاءمة النصوص التشريعية والتنظيمية للمعاهدات الدولية المتعلقة بمسائل حقوق الإنسان، وتقديم المقترحات والتوصيات الى الجهات المختصة في كل ما من شأنه تعزيز وحماية حقوق الإنسان، ودعمها وتطويرها، الى نحو أفضل، بما في ذلك التوصية بالإنضمام الى الإتفاقيات الإقليمية والدولية المعنية بحقوق الإنسان.

6/ تلقي الشكاوى المتعلقة بحقوق الإنسان ودراستها، وإحالة ما ترى المؤسسة إحالته منها الى جهات الإختصاص مع متابعتها بشكل فعال، أو تبصير ذوي الشأن بالإجراءات الواجبة الإتباع ومساعدتهم في اتخاذها، أو المعاونة في تسويتها مع الجهات المعنية.

7/ التعاون مع المنظمات الدولية والجهات الإقليمية والوطنية والمؤسسات ذات الصلة في البلدان الأخرى المعنية بتعزيز وحماية حقوق الإنسان.

8/ التعاون والتنسيق مع الأجهزة المعنية في الدولة بإعداد التقارير التي تلتزم الدولة بتقديمها دورياً، تطبيقاً لاتفاقيات دولية خاصة بحقوق الإنسان، والتعريف بهذه التقارير بوسائل الإعلام المناسبة.

9/ عقد المؤتمرات وتنظيم الندوات، والمشاركة في المحافل الدولية والمحلية، وفي اجتماعات المنظمات الدولية والإقليمية المعنية بمسائل حقوق الإنسان، وإجراء البحوث والدراسات في هذا الشأن.

10/ إصدار النشرات والمطبوعات المتصلة بأهداف وأنظمة المؤسسة.

11/ اصدار ونشر تقارير عن تطور جهود مملكة البحرين في مجال حقوق الإنسان والأوضاع الوطنية ذات الصلة.

12/ الإسهام في دعم القدرات ذات الصلة بمجال حقوق الإنسان بما في ذلك الإعداد الفني والتدريب للعاملين في مؤسسات المملكة لرفع كفاءتهم.

في كل هذه المجالات يكاد يكون منجز المؤسسة الوطنية معدوماً تقريباً. فعدا عن بضعة بيانات ظهرت في عدد من المناسبات، كان من بينها بيان يؤيد الحوار الوطني ومشاركة المؤسسة فيه وآخر حول اليوم العالمي للديمقراطية، وحث السلطات على إعادة المفصولين تعسّفاً الى أعمالهم.. وعدا عن بعض الزيارات للمشاركة في مؤتمرات اقليمية: في قطر ومصر؛ وزيارة بعض المحتجزين في الأحداث الأخيرة دون أن يصدر تقرير حتى الآن عنها. عدا عن هذا، لا يوجد الشيء المهم الذي يمكن ذكره من أعمال ومنجزات خلال أكثر من عام من عمل المؤسسة.

أمين عام المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، د. أحمد فرحان، والذي تم تعيينه في منصبه في يناير الماضي، تحدث في مقابلة صحافية (الوسط، 21/8/2011) عن بعض النشاطات في فترة الأزمة، من بينها القيام برصد بعض الإنتهاكات، وأشار الى أن لجنة الرصد لم تصدر تقريراً عن الأحداث، ولا عن الإنتخابات البرلمانية التي جرت في اكتوبر 2010، وقال بأنه سيصدر تقرير واحد يشمل نشاط المؤسسة منذ تأسيسها، وربط ذلك بتغطية ما ستنتهي اليه لجان التحقيق الحكومية والدولية من أحداث. وأضاف بأنه قد بدئ بالصياغة الأولى للتقرير السنوي. ولكن الدكتور فرحان اعترف بأن (المؤسسة في المرحلة الحالية غير مؤهلة بشكل فاعل) وأرجع ذلك الى افتقارها للموظفين. وتابع بأن المؤسسة اهتمت بموضوع المفصولين عن العمل، وأنها ناقشت الأمر مع وزير العمل القضية وطلبت منه إمدادها بالمعلومات.

هناك اتفاق على أن المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان لم تقدم أداءً مرضياً، ولا يعود الأمر الى سبب واحد، فهناك ظروف عامّة أدّت الى تعويقها، وضعف فعاليتها، بعضها ذاتية وكثير منها موضوعية. من بين الأسباب التالي:

1/ أن المؤسسة تشكلت من أعضاء عديدين، بعضهم يفتقر الى خلفية ثقافية حقوقية مناسبة، لم تؤهلهم لفهم المشاكل، فضلاً عن التعاطي معها بشكل مهني. وكان يمكن تعويض هذا النقص، من خلال التدريب والتأهيل، ولكن لم تتوفر البرامج ولا الوقت الكافي لذلك. المؤسسة كانت ولاتزال بحاجة الى مسؤولين وكوادر وأعضاء متخصصين ومؤهلين لأداء الوظيفة الحقوقية المناطة بهم، كيما يشرعوا فوراً في عملهم، ويؤدوا وظائفهم.

2/ ضمّت المؤسسة خليطاً من الأعضاء من ذوي الخلفيات السياسية والأيديولوجية المختلفة، عكست نفسها بصورة سلبية على انسجامهم، ومن ثم عطائهم. وكانت الأحداث التي يمور بها الشارع، تعمّق الإنقسام الداخلي، وتقلّص من مساحة الإتفاق بين الأعضاء، وعدم اعتماد المرجعية الحقوقية، وكان أهم أسباب الإستقالات هو هذا الأمر. زد على ذلك، لم يخل الأمر من حساسيات شخصية بين الأعضاء، مما راكم في السلبيات.

3/ هناك ضعف في جانب القيادة والإدارة للمؤسسة، حيث لم تستطع بعدما يقرب من عام ونصف من ترتيب البيت الداخلي للمؤسسة، من جهة التوظيف، ووضع اللوائح، وتوزيع المهمات، وتحديد المكافآت، حيث لم يستلم أي من الأعضاء مكافأتهم منذ تعيينهم الى الآن، عدا الأمين العام وبعض الموظفين. وحسب د. فرحان: (مازلنا بحاجة لخطة وإجراءات توظيف، ولائحة مالية، وشؤون موظفين، وهيكل تنظيمي، وكلها يجب أن تسبق عملية التوظيف). كما أن المؤسسة بقيت بدون رأس قادر على تعزيز حالة الإنسجام، واستخراج أفضل ما لدى الأفراد من قدرات، وتنسيق الجهود من أجل الشروع في الأعمال، وتوجيه القدرات نحو تحقيق الأهداف المناطة بالمؤسسة. زد على ذلك، لم تتمكن المؤسسة من وضع خطّة وطنية شاملة لترقية حقوق الإنسان في البحرين.

4/ هناك خلل مركزي من جهة أن الأعضاء لازالوا متطوعين في العمل من الناحية العملية، وجميعهم يؤدون التزاماتهم الوظيفية سواء في القطاع الخاص أو العام. والمؤسسة ـ خاصة في بدايتها ـ بحاجة الى طاقات وكوادر متفرغة متخصصة تماماً للعمل في مجال حقوق الإنسان. إن الجهد الذي بذل لبناء المؤسسة والقيام بنشاطاتها هو قليل بالنظر الى ساعات العمل القليلة بسبب عدم التفرغ للعمل.

5/ الإستقالات المتتالية سببت هي الأخرى ضعفاً في المؤسسة الوطنية، وأضعفت الثقة بها من قبل الرأي العام البحريني الرسمي والحقوقي. ما جعل الفاعلين في المؤسسة مجرد بضعة أفراد، وأفقد الكثير منهم الرغبة والحماسة والإهتمام بالعمل. ولهذا غابت المؤسسة عن الأحداث، الى حد أنه ليس لها دور تفيد به لجنة تقصي الحقائق الموجودة على الأرض الآن، حسب أمين عام المؤسسة.

لهذا كله، فإنه ينبغي إعادة النظر في عمل المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، وفي اختيارات الأعضاء القادمين البديلين عن المستقيلين، كما يجب تعيين رئيس للمؤسسة بالسرعة الممكنة من ذوي الخبرة والنزاهة والكفاءة الإدراية والحقوقية. حتى الآن لم تقلع المؤسسة من الأرض، وآن لها أن تقلع وتؤدي دورها، وتستعيد مصداقيتها وثقة الجمهور والحقوقيين في الداخل والخارج بها.