شهدت المحاكمات والإنتخابات:

أمنستي في البحرين لتقصّي الحقائق

قام وفد منظمة العفو الدولية برئاسة البروفيسور عبدالسلام سيد أحمد، والباحث في قسم الشرق الأوسط سعيد بومدوحة، ومسؤولة الحملات في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كوفادونغادي لاكامبا.. بزيارة تقصّي للحقائق في البحرين في شهر أكتوبر الماضي. وقد التقى الوفد بعدد من المسؤولين والوزراء، وكذلك بالناشطين الحقوقيين، وبمنظمات المجتمع المدني، وبمجلس إدارة المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، وكذلك بقوى سياسية بحرينية، وشخصيات ومؤسسات إعلامية. وقد اطلع الوفد من خلال اللقاءات والزيارات والمتابعات على أوضاع الساحة البحرينية الحقوقية والسياسية، بما فيها حضوره الجلسة الأولى والعلنيّة لمحاكمة المتهمين على خلفية أحداث العنف والشغب والتي انعقدت في 28 أكتوبر الماضي، وكذلك اطلاعه على سير العملية الإنتخابية التي تمت في 23 اكتوبر الماضي.

وفد أمنستي يلتقي وزير الخارجية
الوفد يلتقي بوزير ومسؤولي الداخلية
مع رئيس هيئة شؤون الإعلام
وفد أمنستي مع الوزيرة د. البلوشي
الوفد يلتقي المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان
وفد أمنستي يلتقي رئيس جمعية الصحافيين

وكانت العفو الدولية ـ ومنذ شهر أغسطس الماضي ـ قد أصدرت عدداً من البيانات، أبدت فيها قلقها من مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان، والتي جاءت على خلفية القبض على عشرات الأفراد، اتهموا بالتحريض وممارسة العنف والشغب، وقطع الطرق، وإشعال الحرائق، وتهديد الممتلكات العامة والخاصة. ففي 18 أغسطس الماضي حثت منظمة العفو الدولية السلطات البحرينية على الكشف عن أماكن احتجاز ثمانية أشخاص بينهم رجال دين، وعبرت عن خشيتها من أن يكون هؤلاء من سجناء الرأي، مطالبة السلطات بتوضيح أسباب اعتقالهم، وإطلاق سراحهم أو توجيه التهم اليهم بارتكاب جرائم جنائية معترف بها. كما طالبت المنظمة الحكومة بالسماح لجميع المعتقلين بالاتصال بمحاميهم وأهاليهم، والحصول أيضاً على الرعاية الطبية الكافية. وحثَّت العفو الدولية حكومة البحرين على إجراء تحقيق نزيه ومستقل على وجه السرعة في الادعاءات القائلة بأن عدداً من المعتقلين قد تعرضوا للتعذيب أو غيره من صنوف المعاملة السيئة أثناء احتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي، كما دعت الحكومة بأن تكفل للمعتقلين عملياً حقهم في نيل محاكمة عادلة تتماشى مع المعايير الدولية.

وعادت منظمة العفو الدولية فأبدت في بيان ثان لها قلقها من الإجراء الحكومي بحلّ مجلس إدارة الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، ووصفته بأنه إجراءٌ يقوِّض الحريات الأساسية، ودعت الحكومة إلى التراجع عن هذا القرار فوراً. وانتقدت المنظمة قانون الجمعيات رقم 21 لعام 1989 وقالت أنه يمنح السلطات صلاحيات واسعة في حظر المنظمات أو تجميد نشاطها أو التدخل في شؤونها الداخلية بتعيين مسؤول حكومي لإدارتها.

بيانان آخران صدرا من العفو الدولية في 6 سبتمبر، و13 أكتوبر الماضيين، نبها فيه الى ما سبق ذكره، والى ضرورة أن يفسح المجال للمحتجزين بالإتصال بمحاميهم وعوائلهم بشكل منتظم، وهو الأمر الذي تمّ فعلاً قبل صدور البيانين.

بهذه الخلفية، جاء وفد العفو الدولية الى البحرين متقصياً للأوضاع، وقد رحّبت الحكومة بالزيارة، وأعطت الوفد الحقوقي كامل حريته في لقاء الجهات الحكومية والأهلية؛ بل أن وزارة التنمية الإجتماعية كانت محور ترتيب وتنسيق اللقاءات بين الوفد والجهات ذات العلاقة، بما فيها الجمعيات غير الحكومية. وقد التقى الوفد ابتداءً بوزيرة التنمية الاجتماعية د. فاطمة البلوشي، كما التقى عدداً من مسؤولي وزارة الخارجية، ثم وفي لقاء آخر منفصل التقى الوفد بوزير الخارجية البحريني نفسه في 28/10/2010، حيث تمت مناقشة أوضاع حقوق الإنسان والتأكيد على أهمية التعاون والشفافية في العلاقة بين الحكومة ومنظمة العفو الدولية. وأشاد وزير الخارجية بالجهد الذي تبذله المنظمة لترسيخ مبادئ حقوق الإنسان، مؤكداً في الوقت نفسه أن «مملكة البحرين خطت خطوات كبيرة في تحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان في إطار المشروع الإصلاحي الشامل لعاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ومنذ تولي جلالته مقاليد الحكم رسخ مبادئ احترام حقوق الإنسان والمواطنة وحرية الرأي والتعبير وممارسة الشعائر الدينية»، معتبراً تلك الخطوات «نقلة نوعية على مستوى دول المنطقة».

وسبق للوفد الحقوقي الدولي أن التقى بوزير الداخلية في 27/10/2010. الوزير أكد حرص الملك والحكومة على صون الحريات ومنها حرية التعبير؛ وأشار الى ضرورة «استقاء المعلومات من مصادرها الموثوقة، وليس اعتماداً على رؤية منحازة تصور الأمر على غير حقيقته». وتم خلال اللقاء بحث أوجه التعاون والتنسيق المشترك بين وزارة الداخلية ومنظمة العفو الدولية.

وفي السياق نفسه، التقى وفد العفو الدولية برئيس هيئة شؤون الإعلام في 28/10/2010، وناقش معه أسباب إغلاق بعض المواقع الإلكترونية، ومنع صدور نشرات حزبية. رئيس الهيئة أكد على وجود مساحة واسعة من الحريات العامة التي كفلها الدستور، وبيّن وجهة النظر الحكومية بشأن القضايا المثارة.

أيضاً التقى وفد أمنستي بمجلس إدارة المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، وتباحثا بشأن آليات تعزيز التعاون بين الطرفين، وأكدا على أهمية استمرار اللقاءات والحوارات التي يمكن لها أن تضمن تواصل التنسيق في كل المجالات الحقوقية، وأن تكون المؤسسة الوطنية مصدراً للمعلومات المتعلقة بأوضاع حقوق الإنسان في البحرين. واستمع وفد أمنستي من المؤسسة الوطنية شرحاً وتحليلاً لآخر التطورات على هذا الصعيد.

من جهته، أثنى وفد أمنستي على خطوة إنشاء المؤسسة الوطنية لما تحمله من أهمية في تعزيز وصيانة حقوق الإنسان في البحرين؛ وأوضح أن من الأهمية بمكان أن تكون المؤسسة جسراً صلباً وموثوقاً تتواصل عبره مؤسسات المجتمع المدني البحريني بالمؤسسات الرسمية. وأكد الوفد على ضرورة حفاظ المؤسسة الوطنية على حياديتها وأن لا تتأثر بالضغوط سواء جاءت من الحكومة أو المجتمع المدني.

ومن بين من التقى بهم وفد العفو الدولية، وزير العدل، ومسؤولي الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، وأمين عام جمعية الوفاق (حزب سياسي)، وجمعية المحامين البحرينية، وعوائل المحتجزين في الأحداث الأمنية الأخيرة، ورئيس جمعية الصحافيين الأستاذ عيسى الشايجي، حيث تم التطرّق خلال الاجتماع مع هذا الأخير إلى وضع الحريات الصحفية، والقوانين المتعلقة بحرية الرأي والتعبير ومنها قانون الصحافة والنشر وقانون الإعلام المرئي والمسموع والمواقع الإلكترونية، ودور الجمعية في الدفاع عن الصحفيين ومعوقات العمل الصحفي.

خلاصة:

لا يعني نقد المنظمات الدولية لبعض الإجراءات الحكومية والتي ترتبت عليها تجاوزات لحقوق الإنسان، أن تلك المنظمات تستهدف التشهير، أو أنه لا يهمها تطوير الوضع الحقوقي البحريني، أو أنها تغمض النظام السياسي حقّه في تحقيقه إنجازات في هذا المجال. لقد انتقدت المنظمات الدولية والمحلية الإجراءات المقيّدة للحريات العامة مثل إغلاق مواقع الكترونية وسحب تراخيص نشرات حزبية، وحلّ مجلس إدارة جمعية حقوقية.. وهذه الإجراءات ـ كما نعتقد نحن وغيرنا من النشطاء الحقوقيين ـ غير مناسبة ومضرّة بالبحرين وسمعتها ومسيرتها الإصلاحية. ومن وجهة نظرنا، فإن الإخطاء تقع، ولكن من المعيب الإستمرار في الخطأ.

وحسناً فعل المسؤولون البحرينيون بأن تداركوا الأخطاء وتراجعوا عنها، بل أن بعضها جاء بمبادرة من الملك نفسه، والذي أمر بشكل مباشر بإعادة الجنسية البحرينية الى ممثل السيد السيستاني في البحرين الشيخ حسين نجاتي. وهناك أيضاً محاولات تتعلق بموضوع الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، وغيرها من القضايا المثارة مثل رفع القيود عن بعض المواقع الإلكترونية.

لن يضرّ البحرين بعض المخالفات الصغيرة التي تقع من قبل منظمات المجتمع المدني. كما لن يضرّها كثيراً التجاوزات غير المقصودة من قبل السلطة التنفيذية. ولكن يضرّ حاضرها ومستقبلها وسمعتها وبالتالي مشروعها الإصلاحي.. الإستمرار في التجاوزات وعدم إصلاحها أو التراجع عنها. ونحن نتمنى بهذه المناسبة أن تأخذ الحكومة والمجتمع المدني في البحرين ـ وبكل جديّة وإيجابية ـ بتوصيات وملاحظات منظمات حقوق الإنسان، وفي مقدمها العفو الدولية.